الحياء
والاستحياء بمعنى واحد, والحياء – كما في القاموس – الحشمة , يقال : حيي
منه حياء , واستحيا منه , واستحى منه , واستحياه , وهو حيي – بوزن غني –
اي ذو حياء , والحياء تغير وانكسار يعتري الانسان من خوف ما يعاب به ويذم
, واشتقاقه من الحياة , ويقال : حيي الرجل – عل وزن نسي – وكأن صاحب
الحياء قد صار منكسر القوة منغص الحياة لما يعتريه حينئذ من الانكسار
والتغيير , كما يقال : هلك فلان حياء من كذا , ومات حياء وذاب حياء ,
ورأيت الهلاك في وجهه من شدة الحياء , وهكذا . ويقال : تحيي فلان من فلان
انقبض وانزوى , لأن من شأن صاحب الحياء أن ينقبض .
وقد وردت في تعريف
الحياء عبارات كثيرة , ولكنها متقاربة المعاني , فقيل : الحياء انقباض
النفس عن القبيح وتركه لذلك . وقيل : الاستحياء الانقباض عن الشيء
والامتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح . وقيل : الحياء انفعال النفس
وتألمها من النقص والقبيح بغريزة حب الكمال . وقيل : الحياء انكسار وتغير
في النفس يلم بها إذا نسب اليها او عرض لها فعل تعتقد قبحه , فالرجل يستحي
ان يفعل كذا , اي تنكسر نفسه فتنقبض عن فعله ويقال : استحيا من عمل كذا اي
انفعلت نفسه وتألمت حين عرض عليه ان يفعله , فرآه شيئاً ونقصا.
وضد
الحياء الوقاحة , وقد يقابل الحياء بالبذاء , ومن ذلك الحديث القائل : "
الحياء من الايمان , والايمان في الجنة , والبذاء من الجفاء , والجفاء في
النار ".
والبذاء هو المفاحشة , ولذلك يقابل الحياء ايضاً بالفحش ,
كما في الحديث القائل : " ما كان الفحش في شيء إلا شانه , وما كان الحياء
إلا زانه ".وقالت السيدة عائشة :" لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا ,
ولو كان الفحش رجلا لكان رجلا سوءاً ".
والحياء خلق من مكارم الأخلاق
, يدل على طهارة النفس , وحياة الضمير , ويقظة الوازع الديني , ومراقبة
الله عز وجل . وقد يختلط الحياء عند كثير من الناس بالجبن , مع ان هناك
فرقا واسعاً بينهما , فالحياء تورع عن عمل او قوة لا يليق بالكريم , وأما
الجبن فتقاعس عن واجب يلزم ان ينهض الانسان اليه ويقوم به, والحياء ليس
ضعفاً او نقصاً , والمعيب في هذا المجال هو الاسراف في صفة الحياء حتى
يضعف صاحبها عن الاقدام على الشيء الحسن النافع خوفاً من الذم .
والحياء خلق من أخلاق القرآن , فقد ذكر الله تبارك وتعالى مادة " الحياء "
في ثلاثة مواطن , فقال في سورة البقرة :" إن الله لايستحي أن يضرب مثلا ما
بعوضة فما فوقها ". وقال في سورة الاحزاب :" يا ايها الذين آمنوا لا
تدخلوا بيوت النبي إلا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إناه , ولكن إذا
دعيتم فادخلوا , فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث , ان ذلكم كان
يؤذي النبي فيستحي منكم , والله لايستحي من الحق :. وقال في سورة القصص :
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت
لنا ".
وقد تعرض المفسرون لمعنى الحياء او الاستحياء في هذه الآيات ,
فقالوا في معنى الآية الأولى :" ان الله لا يستحي ": اي لايدع ولا يترك و
لايمتنع , لأن الانسان اذا استحيا من شيء تركه وامتنع عنه , وقيل : إن
المعنى هو ان الشيء الذي يستحي منه يكون قبيحا في نفسه , ويكون لفاعله عيب
في فعله , فاخبر الله تعالى بأن ضرب الأمثال ليس بقبيح و لا بعيب حتى
يستحس منه.
وقالوا في الآية الثانية : " فجاءته إحداهما تمشي على
استحياء " إن المعنى هو انها جاءت نحوه وقد سترت وجهها بثوبها , أو بيدها
, او جاءت ماشية على بعد مائلة عن الرجال , او جاءته وهي على إجلال له
وإكبار .
وقالوا في الآية الثالثة :" إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي
منكم والله لا يستحي من الحق " ان هذه الآية قد نزلت في شأن قوم كانوا
يتحينون وقت اطعام النبي ( ص ) , فيدخلون بيته , ويقعدون منتظرين إدراك
الطعام , ثم يأخذ بعضهم يحدث بعضاً مطيلين الدار عليه وعلى اهله , ولصرفه
عن شؤونه , وكان النبي يستحي من دعوتهم الى الخروج , ولكن الله تعالى لا
يترك التنبيه على ذلك لأنه الحق .
ومن هذا الاستعراض السريع لآيات
الحياء في القرآن الكريم نفهم ان الحياء جاء مرة منسوبا الى الله عز وجل ,
ومرة منسوبا الى رسول الله على كل احواله واموره , فإن استحضار ذلك في نفس
المؤمن يجعلها متجملة بالحياء والحشمة , كقوله تعالى :" إنه عليم بذات
الصدور , ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ".وقوله " ألم يعلم بأن الله
يرى ".وقوله :" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ".وقوله :" ان الله كان
عليكم رقيبا " وقوله :" وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعلمون
من عمل إلا كنا عليكم شهوداً اذ تفيضون فيه , وما يعزب عن ربك من مثقال
ذرة في الأرض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر إلا في كتاب مبين ".
وقوله :" ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى
ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم , ولا أدنى من ذلك ولا اكثر
إلا هو معهم اينما كانوا , ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة , إن الله بكل
شيء عليم ".
وخلق الحياء وثيق الصلة بيقظة الضمير , ويقظة الضمير
وثيقة الصلة بحياة القلب وصفائه , ولذلك يرى ابن القيم أن الحياء من
الحياة , وعلى حسب حياة القلب يكون فيه خلق الحياء , وان قلة الحياء من
موت القلب والروح , فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم .
ولقد عُني
رسول الله ( ص ) بخلق الحياء , وأكد التنويه به والرفع من مكانته , فجعل
الحياء وثيق الارتباط بالايمان , فقال :" الحياء شعبة من شعب الايمان ",
وقال :" أن الحياء والايمان في قرن , فإذا سلب احدهما تبعه الآخر ". ورأى
النبي ( ص ) رجلاً يعاتب آخر بشأن الحياء فقال له :" دعه فإن الحياء من
الايمان ". وكأن الرسول ( ص ) قد جعل الحياء من الايمان لأن المستحي ينقطع
بحيائه عن المعاصي , فصار كالايمان الذي يحول بين الانسان وهذه المعاصي ,
ولعل هذا هو الذي جعل الرسول ( ص ) يقول :" استحيوا من الله حق الحياء
"وحينما قال الصحابة :إنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله أجابهم
قائلا :" ليس ذاك , ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما
وعى , والبطن وما حوى , وتذكر الموت والبلى , ومن اراد الآخرة ترك زينة
الدنيا , وآثر الآخرة على الأولى ".
وإذا تحقق الحياء عند الانسان
بالصورة التي رسمها هذا الحديث الشريف فإن الحياء يصد صاحبه عن كل قبيح ,
ويصله بكل جميل , وبهذا يتحقق قول الرسول:" الحياء لايأتي إلا بخير
".وبهذا ايضا نفهم بوضوح : لماذا قال رسول الله ( ص ) :" إن لكل دين خُلقا
, وخُلق الاسلام الحياء " . ولو تدبر العاقل امر الحياء لأدرك في يسر ان
الحياء لو لم يكن خُلقا قرآنيا اسلاميا .يأمر به الله تبارك وتعالى ويدعو
اليه رسوله ( ص ) , لكان امراً من أمور الفطرة الانسانية الصافية , وطبيعة
من طبائع البشرية الطاهرة .
والحياء من ناحية متعلقة يكون على ثلاثة
أوجه , حياء من الله , وحياء من الناس وحياء المرء من نفسه , ولابد من هذه
الأوجه الثلاثة لكي يكمل الحياء , ويتحقق على وجهه التام , لأن من استحيا
من الله تعالى ولم يستحي من الناس فقد استهان بالناس , ومن استحيا من
الناس ولم يستحي من الله فقد استهان بالله جل جلاله , ومن استحيا من الناس
ولم يستحي من نفسه , هانت عليه نفسه , ومن هانت عليه , لم يكن أهلاً
لمكارم الأخلاق .
ومظاهر الحياء كثيرة , وأنواعه عديدة , فهناك الحياء
من الذنب , وهو الشعور الذي يعتري نفس المذنب , فيخجل من ذنبه ويستحي ,
والحياء من التقصير , وهو أن يفعل الانسان خيراً , ولكنه يراه دون ما
ينبغي فيستحي , وحياء الإكبار , وهو استحياء الصغير من الكبير الجليل ,
وحياء الاحتشام , وهو خجل الانسان من التبسط في الكلام مع من يهابه ,
وحياء الكرم , وهو استحياء الرجل الكريم إذا أعطى وأحس بان ما أعطاه دون
ما ينبغي , وحياء المحبة , وهو استحياء المحب من محبوبه , على حد قول
القائل :
أهابك إجلالا , ومابك قدرة علي , ولكن ملء عين حبيبها وهناك
الحياء البليغ الرائع , وهو استحياء الانسان من نفسه , ومن اكتفائها بما
تستطيع أن تبلغ أعلى منه , وهذا اشرف أنواع الحياء , لأن المرء إذا استحيا
من نفسه فهو من غيره يكون أشد استحياء , وقد توسع ابن القيم في الحديث عن
أنواع الحياء .
ومما جاء في السنة المطهرة قول رسول الله ( ص ) :" إذا
لم تستح فاصنع ماشئت "
نسأل الله جلت قدرنه أن يجملنا بخلق الحياء منه , إنه أكرم مسؤول وأفضل مأمول .
والاستحياء بمعنى واحد, والحياء – كما في القاموس – الحشمة , يقال : حيي
منه حياء , واستحيا منه , واستحى منه , واستحياه , وهو حيي – بوزن غني –
اي ذو حياء , والحياء تغير وانكسار يعتري الانسان من خوف ما يعاب به ويذم
, واشتقاقه من الحياة , ويقال : حيي الرجل – عل وزن نسي – وكأن صاحب
الحياء قد صار منكسر القوة منغص الحياة لما يعتريه حينئذ من الانكسار
والتغيير , كما يقال : هلك فلان حياء من كذا , ومات حياء وذاب حياء ,
ورأيت الهلاك في وجهه من شدة الحياء , وهكذا . ويقال : تحيي فلان من فلان
انقبض وانزوى , لأن من شأن صاحب الحياء أن ينقبض .
وقد وردت في تعريف
الحياء عبارات كثيرة , ولكنها متقاربة المعاني , فقيل : الحياء انقباض
النفس عن القبيح وتركه لذلك . وقيل : الاستحياء الانقباض عن الشيء
والامتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح . وقيل : الحياء انفعال النفس
وتألمها من النقص والقبيح بغريزة حب الكمال . وقيل : الحياء انكسار وتغير
في النفس يلم بها إذا نسب اليها او عرض لها فعل تعتقد قبحه , فالرجل يستحي
ان يفعل كذا , اي تنكسر نفسه فتنقبض عن فعله ويقال : استحيا من عمل كذا اي
انفعلت نفسه وتألمت حين عرض عليه ان يفعله , فرآه شيئاً ونقصا.
وضد
الحياء الوقاحة , وقد يقابل الحياء بالبذاء , ومن ذلك الحديث القائل : "
الحياء من الايمان , والايمان في الجنة , والبذاء من الجفاء , والجفاء في
النار ".
والبذاء هو المفاحشة , ولذلك يقابل الحياء ايضاً بالفحش ,
كما في الحديث القائل : " ما كان الفحش في شيء إلا شانه , وما كان الحياء
إلا زانه ".وقالت السيدة عائشة :" لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا ,
ولو كان الفحش رجلا لكان رجلا سوءاً ".
والحياء خلق من مكارم الأخلاق
, يدل على طهارة النفس , وحياة الضمير , ويقظة الوازع الديني , ومراقبة
الله عز وجل . وقد يختلط الحياء عند كثير من الناس بالجبن , مع ان هناك
فرقا واسعاً بينهما , فالحياء تورع عن عمل او قوة لا يليق بالكريم , وأما
الجبن فتقاعس عن واجب يلزم ان ينهض الانسان اليه ويقوم به, والحياء ليس
ضعفاً او نقصاً , والمعيب في هذا المجال هو الاسراف في صفة الحياء حتى
يضعف صاحبها عن الاقدام على الشيء الحسن النافع خوفاً من الذم .
والحياء خلق من أخلاق القرآن , فقد ذكر الله تبارك وتعالى مادة " الحياء "
في ثلاثة مواطن , فقال في سورة البقرة :" إن الله لايستحي أن يضرب مثلا ما
بعوضة فما فوقها ". وقال في سورة الاحزاب :" يا ايها الذين آمنوا لا
تدخلوا بيوت النبي إلا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إناه , ولكن إذا
دعيتم فادخلوا , فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث , ان ذلكم كان
يؤذي النبي فيستحي منكم , والله لايستحي من الحق :. وقال في سورة القصص :
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت
لنا ".
وقد تعرض المفسرون لمعنى الحياء او الاستحياء في هذه الآيات ,
فقالوا في معنى الآية الأولى :" ان الله لا يستحي ": اي لايدع ولا يترك و
لايمتنع , لأن الانسان اذا استحيا من شيء تركه وامتنع عنه , وقيل : إن
المعنى هو ان الشيء الذي يستحي منه يكون قبيحا في نفسه , ويكون لفاعله عيب
في فعله , فاخبر الله تعالى بأن ضرب الأمثال ليس بقبيح و لا بعيب حتى
يستحس منه.
وقالوا في الآية الثانية : " فجاءته إحداهما تمشي على
استحياء " إن المعنى هو انها جاءت نحوه وقد سترت وجهها بثوبها , أو بيدها
, او جاءت ماشية على بعد مائلة عن الرجال , او جاءته وهي على إجلال له
وإكبار .
وقالوا في الآية الثالثة :" إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي
منكم والله لا يستحي من الحق " ان هذه الآية قد نزلت في شأن قوم كانوا
يتحينون وقت اطعام النبي ( ص ) , فيدخلون بيته , ويقعدون منتظرين إدراك
الطعام , ثم يأخذ بعضهم يحدث بعضاً مطيلين الدار عليه وعلى اهله , ولصرفه
عن شؤونه , وكان النبي يستحي من دعوتهم الى الخروج , ولكن الله تعالى لا
يترك التنبيه على ذلك لأنه الحق .
ومن هذا الاستعراض السريع لآيات
الحياء في القرآن الكريم نفهم ان الحياء جاء مرة منسوبا الى الله عز وجل ,
ومرة منسوبا الى رسول الله على كل احواله واموره , فإن استحضار ذلك في نفس
المؤمن يجعلها متجملة بالحياء والحشمة , كقوله تعالى :" إنه عليم بذات
الصدور , ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ".وقوله " ألم يعلم بأن الله
يرى ".وقوله :" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ".وقوله :" ان الله كان
عليكم رقيبا " وقوله :" وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعلمون
من عمل إلا كنا عليكم شهوداً اذ تفيضون فيه , وما يعزب عن ربك من مثقال
ذرة في الأرض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر إلا في كتاب مبين ".
وقوله :" ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى
ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم , ولا أدنى من ذلك ولا اكثر
إلا هو معهم اينما كانوا , ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة , إن الله بكل
شيء عليم ".
وخلق الحياء وثيق الصلة بيقظة الضمير , ويقظة الضمير
وثيقة الصلة بحياة القلب وصفائه , ولذلك يرى ابن القيم أن الحياء من
الحياة , وعلى حسب حياة القلب يكون فيه خلق الحياء , وان قلة الحياء من
موت القلب والروح , فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم .
ولقد عُني
رسول الله ( ص ) بخلق الحياء , وأكد التنويه به والرفع من مكانته , فجعل
الحياء وثيق الارتباط بالايمان , فقال :" الحياء شعبة من شعب الايمان ",
وقال :" أن الحياء والايمان في قرن , فإذا سلب احدهما تبعه الآخر ". ورأى
النبي ( ص ) رجلاً يعاتب آخر بشأن الحياء فقال له :" دعه فإن الحياء من
الايمان ". وكأن الرسول ( ص ) قد جعل الحياء من الايمان لأن المستحي ينقطع
بحيائه عن المعاصي , فصار كالايمان الذي يحول بين الانسان وهذه المعاصي ,
ولعل هذا هو الذي جعل الرسول ( ص ) يقول :" استحيوا من الله حق الحياء
"وحينما قال الصحابة :إنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله أجابهم
قائلا :" ليس ذاك , ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما
وعى , والبطن وما حوى , وتذكر الموت والبلى , ومن اراد الآخرة ترك زينة
الدنيا , وآثر الآخرة على الأولى ".
وإذا تحقق الحياء عند الانسان
بالصورة التي رسمها هذا الحديث الشريف فإن الحياء يصد صاحبه عن كل قبيح ,
ويصله بكل جميل , وبهذا يتحقق قول الرسول:" الحياء لايأتي إلا بخير
".وبهذا ايضا نفهم بوضوح : لماذا قال رسول الله ( ص ) :" إن لكل دين خُلقا
, وخُلق الاسلام الحياء " . ولو تدبر العاقل امر الحياء لأدرك في يسر ان
الحياء لو لم يكن خُلقا قرآنيا اسلاميا .يأمر به الله تبارك وتعالى ويدعو
اليه رسوله ( ص ) , لكان امراً من أمور الفطرة الانسانية الصافية , وطبيعة
من طبائع البشرية الطاهرة .
والحياء من ناحية متعلقة يكون على ثلاثة
أوجه , حياء من الله , وحياء من الناس وحياء المرء من نفسه , ولابد من هذه
الأوجه الثلاثة لكي يكمل الحياء , ويتحقق على وجهه التام , لأن من استحيا
من الله تعالى ولم يستحي من الناس فقد استهان بالناس , ومن استحيا من
الناس ولم يستحي من الله فقد استهان بالله جل جلاله , ومن استحيا من الناس
ولم يستحي من نفسه , هانت عليه نفسه , ومن هانت عليه , لم يكن أهلاً
لمكارم الأخلاق .
ومظاهر الحياء كثيرة , وأنواعه عديدة , فهناك الحياء
من الذنب , وهو الشعور الذي يعتري نفس المذنب , فيخجل من ذنبه ويستحي ,
والحياء من التقصير , وهو أن يفعل الانسان خيراً , ولكنه يراه دون ما
ينبغي فيستحي , وحياء الإكبار , وهو استحياء الصغير من الكبير الجليل ,
وحياء الاحتشام , وهو خجل الانسان من التبسط في الكلام مع من يهابه ,
وحياء الكرم , وهو استحياء الرجل الكريم إذا أعطى وأحس بان ما أعطاه دون
ما ينبغي , وحياء المحبة , وهو استحياء المحب من محبوبه , على حد قول
القائل :
أهابك إجلالا , ومابك قدرة علي , ولكن ملء عين حبيبها وهناك
الحياء البليغ الرائع , وهو استحياء الانسان من نفسه , ومن اكتفائها بما
تستطيع أن تبلغ أعلى منه , وهذا اشرف أنواع الحياء , لأن المرء إذا استحيا
من نفسه فهو من غيره يكون أشد استحياء , وقد توسع ابن القيم في الحديث عن
أنواع الحياء .
ومما جاء في السنة المطهرة قول رسول الله ( ص ) :" إذا
لم تستح فاصنع ماشئت "
نسأل الله جلت قدرنه أن يجملنا بخلق الحياء منه , إنه أكرم مسؤول وأفضل مأمول .